كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحين بين أن الله أمره بإخلاص القلب وبأعمال الجوارح وكان الأمر يحتمل الوجوب والندب بين أن ذلك الأمر للوجوب فقال: {قل إني أخاف} الآية. وذلك أن خوف العقاب لا يترتب إلا على ترك الواجب، وإذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم مع جلالة قدره خائفًا من العصيان فغيره أولى. قيل: المراد به أمته. وقيل: نزلت قبل أن يغفر الله له. وقالت الأشاعرة: فيه دليل على أن صاحب الكبيرة قد يعفى عنه لأنه بين أن اللازم عند حصول المعصية خوف العقاب لا نفس العقاب. النوع الثالث {قل الله أعبد مخلصًا له ديني} وليس بتكرار لما قبله وذلك أن الأوّل للإخبار بأنه مأمور من جهة الله بالعبادة الخالصة عن الشرك الجلي والخفي، وهذا إخبار بأن الذي أمر به فإنه قد أتى به على أكمل الوجوه، ولهذا أخر الفعل وضم إلى مضمونه التهديد بقوله: {فاعبدوا ما شئتم من دونه} النوع الرابع {قل أن الخاسرين} الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه هم {الذين خسروا أنفسهم} لوقوعها في هلكة الإخلاد بعذابها {و} خسروا {أهليهم} لأن أهلهم وأولادهم إن كانوا في النار فلا فائدة لهم منهم لأنهم محجوبون عنهم، أو لأن كلًا منهم مشغول بهمه وإن كانوا من أهل الجنة فما أبعد ما بينهم. وقيل: أهلوهم الحور العين في الجنة لو آمنوا.
قال أهل البيان: في قوله: {ألا ذلك هو الخسران المبين} تفظيع لشأنهم حيث استأنف الجملة وصدّرها بحرف التنبيه ووسط الفصل وعرف الخسران ووصفه بالمبين. قلت: التحقيق فيه أن للإنسان قوّتين يستكمل بإحداهما علمًا وبالأخرى عملًا. والآلة الواسطة في القسم الأول هي العلوم المسماة بالبديهيات وترتيبها على الوجه المؤدّي إلى النتائج وهو بمنزلة الربح يشبه تصرف التاجر في رأس المال بالبيع والشراء، والآلة في القسم العملي هي القوى البدنية وغيرها من الأسباب الخارجية المعينة عليها، واستعمال تلك القوى في وجوه أعمال البر التي هي بمنزلة الربح يشبه التجارة فكل من أعطاه الله العقل والصحة والتمكين. ثم إنه لم يستفد منها معرف الحق ولا عمل الخير فإذا مات فقد فات ربحه وضاع رأس ماله ووقع في عذاب الجهل وألم البعد عن عالمه والقرب مما يضاده أبد الآباد، فلا خسران فوق هذا ولا حرمان أبين منه وقد أشار إلى هذا بقوله: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} أي أطباق من النار من ظلل الآخرين فإن لجهنم دركات كما أن للجنة درجات. وقال المفسرون: سمى النار ظلة بغلظها وكثافتها فصارت محيطة بهم من جميع الجوانب حائلة من النظر إلى شيء آخر.
قلت: إن كانوا في كرة النار فوجهه ظاهر ونظيره في الأحوال النفسانية إحاطة نار الجهل والحرص وسائر الأخلاق الذميمة بالإنسان وقد مرّ في قوله: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} [الأعراف: 41] {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم} [العنكبوت: 55] وقيل: الظلة ما علا الإنسان فسمى ما تحتهم بالظلة إطلاقًا لأحد الضدين على الآخر، أو لأن التحتانية مشابهة للفوقانية في الحرارة والإحراق و{ذلك} العذاب المعد للكفار {يخوّف الله به عباده} المؤمنين وقد مر أن العباد في القرآن إذا كان مضافًا إلى ضمير الله اختص بأهل الإيمان عند أهل السنة. وعندي أنه لا مانع من التعميم ههنا. ثم عقب الوعيد بالوعد قائلًا {والذين اجتنبوا الطاغوت} وهو كل ما عبد من دون الله كما مر في آية الكرسي. وقوله: {أن يعبدوها} بدل اشتمال منه {وأنابوا إلى الله} رجعوا بالكلية إلى تحصيل رضاه، فالأول تخلية، والثاني تحلية، وحقيقة الإعراض عما سوى الله والإقبال على الله هي أن يعرف أنّ كل ما سواه فإنه ممكن الوجود لذاته فقير في نفسه وهو سبحانه واجب الوجود لذاته غني على الإطلاق لا حكم إلا له ولا تدبير إلا به وبأمره.
{لهم البشرى} أي هم مخصوصون بالبشارة المطلقة وهي الخبر الأول الصدق الموجب للسرور بزوال المكاره وحصول الأماني ووقتها الموت {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم} [النحل: 32] وعند دخول الجنة {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم} [الرعد: 23- 24] وعند لقاء الله {تحيتهم يوم يلقونه سلام} [الأحزاب: 44] وسماع هذه البشارات في الدنيا على ألسنة الرسل لا يخرجها عن كونها بشارة في هذه الأوقات لأنها في الأول عامة للمكلفين مبهمة فيهم ولا تتعين إلا في هذه الأحوال. وقيل: هذه أنواع أخر من السعادات فوق ما عرفوها أو سمعوها نسأل الله الفوز بها. قال ابن زيد: نزلت في ثلاثة نفر كانوا يقولون في الجاهلية لا إله إلا الله: زيد بن عمرو وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي. وعن ابن عباس أن أبا بكر آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد وسعيد فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا فأنزل الله {فبشر عبادي الذين يستمعون القول} أي من أبي بكر {فيتبعون أحسنه} وهو لا إله إلا الله. وقال أهل النظم: لما بين أن الذين اجتنبوا وأنابوا لهم البشرى وكان ذلك درجة عالية لا يصل إليها إلا الأقلون جعل الحكم أعم إظهارًا للرحمة فقال: كل من اختار الأحسن في كل باب كان من زمرة السعداء أهلًا للبشارة. وقال جار الله: أراد بعباده الذين يستمعون القول الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم أي هم الذين ضموا هذه الخصلة إلى تلك، ولهذا وضع الظاهر في موضع المضمر.
وفي الآية دلالة على وجوب النظر والاستدلال وأنه إذا اعترض أمران واجب وندب، فالأولى اختيار الواجب. وكذا الكلام في المباح والندب، فالأولى اختيار الواجب. وكذا الكلام في المباح والندب كالقصاص والعفو وكل ما هو أحوط في الدين. مثاله في الأصول القول بأن للعالم صانعًا حيًا قديمًا عليمًا قادرًا متصفًا بنعوت الجلال والإكرام وصفات الكمال والتمام، أولى وأحوط من إنكاره. وكذا الإقرار بالبعث والجزاء أحوط من الإنكار، وفي الفروع الصلاة المشتملة على القراءة والتشهد والتسليم وغيرها من الأركان والأبعاض المختلف فيها أجود من الصلاة الفارغة عنها أو عن بعضها. وقال العارفون: يسمعون من النفس الدعوة إلى الشهوات، ومن الشيطان قول الباطل والغرور، ومن الملك الإلهامات، ومن الله ورسوله الدعاء إلى دار السلام، فيقبلون كلام الله ورسوله والخواطر الحسنة دون غيرها. وعن ابن عباس: هو الرجل يجلس مع القوم فيستمع الحديث فيه محاسن ومساوٍ فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه. ومن الواقفين من يقف على قوله: {فبشر عبادي} ويبتدئ {الذين يستمعون} وخبره {أولئك الذين هداهم} وهو إشارة إلى الفاعل {وأولئك هم أولو الألباب} إشارة إلى أن جواهر نفوسهم قابلة لفيض الهداية بخلاف من لم يكن له قابلية ذلك وهو قوله: {أفمن حق عليه كلمة العذاب} قال جار الله: أصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه فهي جملة شرطية دخل عليها الهمزة للإنكار، وكررت الفاء الثانية للجزاء تأكيدًا لمعنى الإنكار. ووضع من في النار موضع الضمير تصريحًا بجزائهم، وأما الفاء الأولى فللعطف على محذوف يدل عليه سياق الكلام تقديره: أأنت مالك أمرهم؟ فمن حق إلى آخره. وجوز أن يكون الكلام بعد المحذوف جملتين شرطية جزاؤها محذوف أيضًا ثم حملية والتقدير: أفمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تخلصه أفأنت تنقذ من في النار؟ قلت: فالكلام على هذا التقدير يشتمل على أربع جمل:
ثنتان بعد همزتي الإنكار محذوفتان والباقيتان ظاهرتان. ومن زعم أن الفاء بعد الهمزة لمزيد الإنكار لا للعطف فمجموع الآية شرطية كما ذكرنا، أو هي مع حملية ثم صرح بجزاء المتقين فقال: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف} وهو كالمقابل لما مر في وعيد الكفار {لهم من فوقهم ظلل} ومعنى قوله: {مبنية} والله أعلم. أنها بنيت بناء المنازل التي على الأرض وسوّيت تسويتها وجعلت متساوية في أسباب النزاهة من الأشجار والأنهار لا مثل أبنية الدنيا فان الفوقاني منها يكون أضعف من التحتاني وأخف، والتحتاني قد يجري من تحتها الأنهار، وأما الفوقاني فلا يمكن فهيا ذلك. قال حكماء الإسلام: الغرف المبنية بعضها فوق بعض هي العلوم المكتسبة المبنية على الفطريات، وأنها تكون في المتانة واليقين كالعلوم الغريزية البديهية.
وحين وصف الآخرة بصفات توجب الرغبة فيها أراد أن يصف الدنيا بما يقتضي النفرة عنها فقدم لذلك مقدمة يستدل بها على حقية الصانع أيضًا فقال: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه} أي أدخله في الأرض حال كون ذلك الماء {ينابيع} مثل الدم في العروق.
والينابيع جمع ينبوع وهو كل ماء يخرج من الأرض. وقيل: هو الموضع الذي يخرج منه الماء كالعيون والآبار فينصب على الظرف. وقوله: {ثم يخرج} على لفظ المستقبل تصوير لتلك الحالة العجيبة الشأن وهي إخراج النبت المختلف الألوان والأصناف والخواص بسبب الماء المخالط للأرض {ثم يهيج} أي يتم جفافه. قال الأصمعي: لأنه إذا تم جفافه جاز له أن يثور عن منابته ويذهب {ثم يجعله حطامًا} أي فتاتًا متكسرًا {إن في ذلك} الذي ذكر من إنزال الماء وإخراج الزرع بسببه {لذكرى} لتذكيرًا أو تنبيهًا على وجود الصانع {لأولي الألباب} وفيه أن الإنسان وإن طال عمره فلابد له من الانتهاء إلى حالة اصفرار اللون وتحطم الأجزاء والأعضاء بل إلى الموت والفناء. وإنما قال هاهنا {ثم يجعله حطامًا} وفي الحديد {ثم يكون حطامًا} [الحديد: 20] لأن الفعل هناك مسند إلى النبات وهو قوله: {أعجب الكفار نباته} وههنا مسند إلى الله من قوله: {أنزل} إلى آخره. وحين بالغ في تقرير البيانات الدالة على وجوب الإقبال على طاعة الله والإعراض عن الدنيا الفانية بيّن أن ذلك البيان لا يكمل الانتفاع به إلا إذا شرح الله صدره ونور قلبه فقال: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} ولا يخفى ما في لفظه على من فائدة الاستعلاء والتمكن كما مر في قوله: {أولئك على هدى} [البقرة: 5] والخبر محذوف كما ذكرنا في قوله: {أمن هو قانت} يعني هذا الشخص المنشرح الصدر كمن طبع الله على قلبه يدل عليه ما بعده {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} أي من أجل سماع القرآن. وإنما عدى ب من لأن قسوة القلب تدل على خلوه من فوائد القرآن ويجوز أن يكون من للتعليل وذلك أن جواهر النفوس مختلفة فبعضها تكون مشرقة بنور الله يزيدها نور القرآن بهاء وضياء، بعضها تكون مظلمة كدرة لا ينعكس نور الذكر إليها ولا تظهر صور الحق فيها كالمرآة الصدئة. ثم أكد وصف القرآن وكيفية تأثيره في النفوس بقوله: {الله نزل أحسن الحديث} عن ابن عباس وابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له: حدثنا، فنزلت الآية. والحديث كلام يتضمن الخبر عن حال متقدمة ووصفه بالحدوث من حيث النزول لا ينافي قدمه من حيث إنه كلام نفسي. ووجه كونه أحسن لفظًا ومعنى مما لا يخفى على ذي طبع فضلًا عن ذي لب. وقوله: {كتابًا} بدل من أحسن أو حال موطئة.
ومعنى {متشابهًا} أنه يشبه بعضه بعضًا في الإعجاز اللفظي والمعنوي والنظم الأنيق والأسلوب العجيب والاشتمال على الغيوب وعلى أصول العلوم كما مر في أوّل البقرة في تفسير قوله: {وإن كنتم في ريب} [البقرة: 23] وقيل: هو من قوله: {وأخر متشابهات} [آل عمران: 7] فيكون صفة لبعض القرآن. وقيل: يشبه اللفظ اللفظ والمعنى مختلف. وقوله: {مثاني} جميع مثنى ومثنى بمعنى مكرر لما ثنى من قصصه وأحكامه ومواعظه، أو لأنه يثني في التلاوة فلا يورث ملالًا كقوله «ولا يخلق على كثرة الرد» وقيل: المثاني لآي القرآن كالقوافي للشعر. وقد مر بعض هذه الأقوال في مقدمات الكتاب وفي سورة الحجر في قوله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} [الحجر: 87] ومعنى اقشعرار الجلد تقبضه. قال جار الله: تركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس مضمومًا إليها الراء ليصير رباعيًا دالًا على معنى زائد، وهو تمثيل لشدة الخوف أو حقيقة سببه الخوف. قال المفسرون: أراد أنهم عند سماع آيات العذاب يخافون فتقشعر جلودهم وعند سماع آيات الرحمة والإحسان أو تذكرهم لرأفته وأن رحمته سبقت غضبه تلين جلودهم وقلوبهم. ومعنى إلى في قوله: {إلى ذكر الله} هو أنه ضمن لأن معنى سكن واطمأن. وقال العارفون: إذا نظروا إلى عالم الجلال طاشوا وإن راح لهم أثر من عالم الجمال عاشوا. وقال أهل البرهان: إذا اعتبر العقل موجودًا لا أول له ولا آخر لا حين ولا جهة وقع في بادية التحير والهيبة، وإذا اعتبر الدلائل القاطعة على وجود موجود واجب لذاته واحد في صفاته وأفعاله اطمأن قلبه إليه. قال جار الله: إنما ذكرت الجلود أوّلًا وحدها لأن الخشية تدل على القلوب لأنها محل الخشية فكأنه قيل: تقشعر جلودهم بعد خشية قلوبهم، ثم إذا ذكروا الله ومبنى أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة لينًا في جلودهم. ويحتمل أن يقال: المكاشفة في مقام الرجاء أكمل منها في مقام الخوف، ومحل المكاشفات هو القلب، فلذلك اختص ذكر القلب بجانب الرجاء. ثم أشار إلى الكتاب المذكور بقوله: {ذلك هدى الله} كقوله: {هدى للمتقين} [البقرة: 2].
ثم بين أن القاسية قلوبهم حالين: أما في الدنيا فالضلال العام وهو قوله: {ومن يضلل الله فما له من هاد} وأما في الآخرة فقوله: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} أي شدّته والخبر محذوف وهو كمن أمن العذاب واتقاء العذاب بوجهه إما حقيقة بأن تكون يداه مغلولة إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه، وإما أن يكون كناية عن عجزه عن الاتقاء وذلك أن الإنسان إذا وقع في نوع من العذاب فإنه يجعل يديه وقاية لوجهه الذي هو أشرف الأعضاء، فكأنه قيل: لا يقدرون على الاتقاء إلا بالوجه، والاتقاء بالوجه غير ممكن فلا اتقاء أصلًا {وقيل للظالمين} القائلون هم خزنة النار.
قوله: {كذب الذين من قبلهم} تصوير لحال أمثالهم من الأمم الخالية بيناهم آمنون إذ أخذهم العذاب والخزي في الدنيا كالمسخ والقتل ونحوهما. ثم بين بقوله: {ولقد ضربنا} إلى آخر الآيتين أن هذه البيانات بلغت في الكمال إلى حيث لا مزيد عليه. ثم ضرب من أمثال القرآن مثلًا لقبح طريقة أهل الشرك وهو رجل من المماليك قد اشترك {فيه شركاء متشاكسون} أي كلهم يسيء خلقه في استخدامه أو هم مختلفون في ذلك يأمره هذا بشيء وينهاه الآخر عن ذلك الشيء بعينه. والشكاسة سوء الخلق والاختلاف.
{ورجلًا سالمًا لرجل} أي خالصًا من الشرك. ومن قرأ بغير ألف فعلى حذف المضاف أي ذا سلامة وذا خلوص من الشركة. وقال جار الله: وإنما جعله رجلًا ليكون أفطن لما شقي به أو سعد فان المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك. قلت: لا ريب أن الرجل أصل في كل باب فجعله مضرب المثل أولى نظيره {وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم} [النحل: 76] ثم استفهم على سبيل الإنكار بقوله: {هل يستويان مثلًا} وهو تمييز أي هل يستوي حالاهما وصفتاهما. واقتصر في التمييز على الواحد لقصد الجنس والمراد تجهيل من يجعل المعبود متعددًا، فليس رضا واحد كطلب رضا جماعة مختلفين. وحاصله يرجع إلى دليل التمانع كما مرّ في قوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] وقال أهل العرفان: الشركاء المتشاكسون تجاذب شغل الدنيا وشغل العيال وغير ذلك من الأشغال، فأين ذلك الرجل ممن ليس له في الدنيا نصيب ولا له في الخلق نسيب وهو عن الآخرة غريب وإلى الله قريب. قوله: {الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} كما مرّ في لقمان قوله: {إنك ميت} وجه النظم أنه سبحانه كأنه قال إن هؤلاء الأقوام إن لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل القاهرة بسبب استيلاء الحرص والحسد عليهم في الدنيا، فلا تبال يا محمد بهذا فإنك ستموت وهم أيضًا يؤلون إلى الموت فلو أنهم يتربصون بك الموت فإن الموت يعم الكل فلا معنى لشماتة المرء بعد وفاة صاحبه {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} تحتج عليهم بأنك قد بلغت وهم يعتذرون بما لا طائل تحته، وقد يخاصم الكفار بعضهم بعضًا حتى يقال لهم {لا تختصموا لديّ} [ق: 28] وقد يقع الاختصام بين أهل الملة في الدماء والمظالم التي بينهم والله أعلم. اهـ.